مشروع الدستور: انعكاس للواقع بحسناته وسيئاته





جاءت المسودة الأخيرة التي أصبحت مشروعا للدستور بعد مخاض استمر لسنوات وكانت هي الثالثة من حيث الترتيب، ولاهتمامي الشديد بالدستور كقيمة وكقاعدة تأسيس في وضعنا الحالي ووثيقة تنظم أمورنا حاضرا ومستقبلا قرأت كل المسودات، واستمعت لكل مقابلة أو نقاش حوله بين مؤيد ومعارض وجدتها على الجهاز المرئي (التلفزيون).
ولحسن حظي أيضا قرأت المعايرة لمشروع الدستور التي قام بها مركز دراسات القانون والمجتمع بجامعة بنغازي والتي أنصح بقراءتها، وأعدها الأساتذة الأفاضل: جازية شعيتير، زاهي المغيربي، سليمان إبراهيم، نجيب الحصادي، هالة الأطرش. مما يمكنني من القول أنه تكون لدي نظرة موضوعية للمشروع، ولا أدعي أنها حيادية. ففي النهاية أنا مواطن لديه تطلعاته وما يتمناه في مشروع دستور وطنه. ويمكنني تلخيص انطباعي في النقاط التالية ومن ثم أتناولها بقليل من التفصيل:
1- الصياغة التي كتب بها الدستور ضعيفة بشكل كبير وتحتاج إلى الكثير من التحسين.
2- الدستور هجين
3- انعكاس للواقع بسيئاته وحسناته. و سيئاته قبل حسناته.
4- يحتاج إلى أحزاب قوية لكي يكون فعالا.
5- بشكل عام مقبول بالنسبة لي.
6- يحتاج إلى الكثير من العمل لتحسينه و حسم الأمور التي تركتها الهيئة معلقة.
* *
جاء مشروع الدستور في ظروف استثنائية وملحة، في مرحلة عبثية وفوضوية ألقت بثقلها وظلالها عليه وجعلت الحاجة إليه ضرورة. ضرورة أن تُوجَد قاعدة مُؤسسة ومُنظِّمة أقرها المجتمع تأخذ شرعيتها منه وحمايتها منه كذلك. لذلك كان الإصرار على مشروع الدستور والصبر عليه. خرج الدستور ولسان الحال ليس بالإمكان أفضل مما كان، لهذا استقال رئيس الهيئة السيد نوح لأنه يعلم أن هذه آخر نقطة تصل إليها رحلتهم التي حاولت خلالها الهيئة المواءمة بين مختلف التيارات والأفكار والمكونات فكانت النتيجة دستورا هجينا سياسيا وإداريا، لا هو رئاسي أو شبه رئاسي، ولا هو برلماني، ولا هو مركزي، ولا هو فدرالي، تراه كيفما تشاء من زاويتك. و فضفاضا ترك كثير من الأمور معلقة.
فعلى سبيل المثال تم ذكر كم يكون أعضاء مجلس الشيوخ وكم حصة كل إقليم من عدد الكراسي إرضاء للتيار للفدرالي الذي يرى بالأقاليم الثلاثة. و لكنه فيما يتعلق بمجلس النواب لم يحدد الجهة التي من صلاحياتها سن القانون المتعلق بعدد أعضاء مجلس النواب، هل يتم تشكيل لجنة تصدر القانون أم السلطة التشريعية مجلس النواب تصدر القانون الذي ينظم عدد أعضائه مستقبلا؟
وفيما يتعلق بالمحافظ أيضا تركت آلية اختيار المحافظ غير محددة، بينما في المسودة السابقة التي تعرف بمسودة صلالة كان اختيار المحافظ يتم من قبل الحكومة وهذا هو السليم لضمان وحدة وانسجام السلطة التنفيذية رئاسة وحكومة و محافظات. وكذلك فيما يتعلق بالعلم والنشيد ترك الأمر معلقا للبرلمان بعد انتخابه وفق أحكام الدستور. و الهيئة أقوى من البرلمان فهي المُؤسس للنظام ومن صلب عملها تحديد عمل الدولة ونشيدها ومن ثم يمكن للبرلمان أن يغير وفق أحكام الدستور. والذي أتمناه صراحة فيما يتعلق بالعلم تحديدا أن يختار الشعب الليبي راية جديدة تكون شعارا للجمهورية الجديدة التي نحلم بها.
الصياغة ضعيفة ومحزنة في معظم المواد، و من يقرأ المعايرة التي قام بها مركز دراسات القانون والمجتمع بجامعة بنغازي التي أشرت لها سابقا يفهم ما أقول.
وفيما يتعلق بلماذا يحتاج هذا الدستور إلى أحزاب قوية لكي يكون فعالا، لا يمكن ممارسة عمل سياسي بدون تنظيم سياسي مترابط. فحتى القوى الحاكمة التي تمنع الأحزاب كانت تعمل بآلية الحزب. فالنظام السابق (النظام الجماهيري كما يطلق على نفسه) كانت لديه مقرات لجانه الثورية ومكاتب اتصال وعضوية وفكر يسير عليه التنظيم، وفي هذا لا يختلف عن أي حزب، ولكنه حزب يُخوِّن الحزبية. و لأنه كما أشرنا لا يمكن ممارسة العمل السياسي بدون قوى منظمة سياسيا، سوف نحتاج لكثير من الوقت لتنشأ هذه القوى المنظمة ذات الهوية المحددة والفكر المحدد التي يختارها الناس على أساسه للدخول في المجالس التي حددها الدستور لتُسيِّر العملية السياسية وفق صراع محترم على أساس فكري ومرجعية حزبية وشعبية، لا على أساس المصالح الضيقة للأفراد المنتخبين. فالعضو الحزبي الذي يؤمن بأفكار الحزب الذي ينتمي إليه سوف يعمل وفق رؤية الحزب في خدمة الشأن العام سواء كان فكرا اشتراكيا أو رأسماليا أو قوميا أو غيره، مما يسهم في تقليل حجم الكتل التي تنشأ عادة داخل المجالس المنتخبة وتشظيها، ويقلل كذلك من حجم صراع المصالح فيما بينها. والمواطن عندما يصوت للحزب الاشتراكي مثلا فإنه يختار من يخدم الرؤية الاشتراكية التي يرى أنها الأصلح والأجدر. لذلك إن لم تتشكل هذه القوى المنظمة ومحددة الهوية والتوجه سوف يبقى هذا الدستور معطلا إن تم إقراره.
وفي الخاتمة، كما ذكرت سابقا مشروع الدستور بشكل عام مقبول وتحتاجه المرحلة بشدة. يحتاج إلى كثير من التحسين. وفي المستقبل بعد سنوات أتمنى أن تكون قريبة سوف يعمل المواطنون والقوى السياسية المنظمة على إجراء كثير من التعديلات عليه إن تم إقراره ليصل إلى الرؤية التي يتمناها أبناء الشعب الليبي.

5/11/2018

تعليقات

المشاركات الشائعة