تأملات ( الشيطان )

تتمحور هذه المقالة حول سؤال هو في نهايتها.
معلق دائما بلحظات الخلق الأولى ، ما قاله الله للملائكة عن أبينا آدم قبل خلقه والحوارات التي دارت بينه وبينهم، خلق أمنا حواء، دخولهما الجنة وخروجهما منها، نزولنا للأرض وطننا الأصلي ومكاننا الذي خلقنا لأجله، والشيطان، وموقفه من أبينا آدم ومنا بطبيعة الحال.
حسب النص القرآني عندما تحدث الله للملائكة واصفا المخلوق الذي هو مقدم على خلقه الإنسان وما فيه من خصال حميدها وذميمها، ردت الملائكة عليه بـ (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) و رد هو عليهم (إني أعلم مالا تعلمون) وختم هذه المحادثة (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)
خُلق أبونا آدم، وسجدت له الملائكة أجمعون (إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين) وعندما سأله الله ما منعك أن تسجد رد بأني أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. و قبل أن أكمل في هذه الجزئية يطيب لي أن أورد ما كتبه الحلاج في كتابه الطواسين في هذه المسألة، مسألة رفض إبليس السجود لأبينا آدم لما فيها من لطافة ورهافة المتصوفة المتأملة الأجلاء:
(التقى موسى وإبليس على عقبة الطور، فقال له يا إبليس ما منعك عن السجود فقال منعني الدعوى بمعبود واحد، ولو سجدت له لكنت مثلك. فإنك نوديت مرة واحدة انظر إلى الجبل فنظرت، ونوديت أنا ألف مرة أن أسجد فما سجدت. لدعواي بمعناي).
أعود الآن للجزئية التي أريد إكمالها. لماذا رأى إبليس أن النار أفضل من الطين. على أي شيء بنى هذه القناعة. أخذني التفكير إلى حلقة وثائقية شاهدتها عن النار وأهميتها في الحضارة البشرية. فتقريبا معظم حضارتنا قامت وتقوم على النار، من النور الذي تمنحه النار إلى التدفئة إلى طبخ الطعام وإلى المعادن والمواد التي تصهرها وتذيبها النار ونعيد تشكيلها إلى شتى المعدات التي هي اليوم العمود الفقري لحضارتنا. وربما حتى أن النار ساهمت في تحويل جسد أبينا آدم من الطين النيء والرخو إلى جسد صلب قبل أن ينفخ الله فيه من روحه. وربما من هذه القناعة كان موقف إبليس في جزئية النار والطين.
وهنالك أمر آخر، حسب رأيي، كان يثير امتعاض إبليس من هذا المخلوق (الإنسان) الذي عرفه أكثر من معرفة الإنسان لنفسه. كان يراه ضعيفا هلوعا قابلا للغواية محبا للممتلكات والخلود، ومخلوق كهذا حسب رأيه لا يستحق هذا التبجيل بأن تسجد له الملائكة أجمعون.
رَفَضَ إبليس السجود وطرده الله من حضرته ولعنه. فطلب منه أن يخلي بينه و بيننا ليثبت أن سبب امتعاضه هو دونية الإنسان وانحطاطه. فأعطاه الله ما أراد
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
وهنا لدي تساؤل آخر: ما هي الغواية التي أغواها الله لإبليس. هل هي حرية الاعتراض وأخذ موقف والتصميم عليه وهو ما لم يمنحه الله لباقي الملائكة. ربما
والأهم والسؤال الذي يحيرني بشدة والذي تتمحور حوله المقالة كما ذكرت سابقا. إبليس يخاطب الله من منطلق معبود لخالقه بلفظ ربِّ ، وعندما أقسم، أقسم بعزة الله. يُجِل الله ويقسم بعزته، وفي ذات الوقت يرفض أمره ولا يتعظ أو يتراجع حتى عند طرده من حضرة الله ولعنه. بل يأخذ هذا الرهان ويطلب من الله بأن يخلي بينه وبيننا ليثبت رأيه وسببية موقفه، وحتى قسم الله بإدخاله النار لم يجعله يتراجع.
لماذا؟.

تعليقات

المشاركات الشائعة