أمُّونا
أمُّونا
محمد إبراهيم الهاشمي
هذه
القصة مستوحاة من قصة تاليد للكاتبة عائشة إبراهيم
أمُّونا
( الحويتة والعين والخميسة )
على أحد شواطئ لبدة
الكبرى ، و بالتحديد في قرية صغيرة ببلدة سيلين ، نسبة إلى الأميرة الرومانية
سيلينا ، كانت أيام فايا تمضي ما بين بيتها و بين معبد الإله جوبيتير القائم على
شاطئ البحر تتلو الصلوات و الابتهالات و تقدم العطايا طلبا بأن ترزق طفلا . هذا
الطفل الذي مضت عشر سنوات و هي تتمناه و تنتظره . و نذرت للإله جوبيتير إن هو أنعم
عليها بطفل ، ستقدم أي شيء يطلبه
في يوم لطالما
انتظرته ، حصل ما تتمناه و حملت بطفل ، و في يوم كان أسعد وضعت طفلا جميلا معافا
قدمت يومها فايا و زوجها
نصف ما يملكانه ، خمسة خراف و عنزة و أربع دجاجات عطايا لمعبد جوبيتير كشكر ، و
طلبَا من جوبيتير أن يبارك في النصف الآخر لحياة طفلهما السعيدة
عندما بلغ طفل فايا
عامه الأول ، سارت به فرحة مزهوة إلى معبد الإله جوبيتير للإيفاء بنذرها .. و كانت
علامة قبول الأعطيات و النذور انطفاء نار المرجل ، و في حال لم يرض جوبيتير تبقى
النار مشتعلة و لا يطفئوها شيء ، لا ماء ولا تراب إلا رضى جوبيتير . و إذا ما طلب
جوبيتير أن تكون النذور و القرابين لحما ، يرمى القربان في نار المرجل سواء كانت
ماشية أم طيرا أم بشرا .
قدمت فايا بعد أن صلَّت
صلاة شكر ما تملك من حلي للمعبد ، و لكن النار لم تنطفئ . قدم زوجها باقي
الأغنام و الدجاجات باستثناء عنزة حلوب
أبقياها لتدر اللبن للصغير ، لكن النار لم تنطفئ . قدم زوجها آخر ما يملك قطعة
الأرض التي يزرع فيها محاصيله ، لكن النار بقيت مشتعلة و لم تنطفئ .
استبد القلق بفايا و
زوجها ، و بَدَئَا الابتهال لجوبيتير ليدلهما على ما يرضيه كإيفاء للنذر
لم يمر وقت طويل وهما
يبتهلان حتى لمع برق أضاء فوق رأس الصغير مباشرة .. تحرك الرعب في قلب فايا و
زوجها و زادت حدة ابتهالهما لجوبيتير لكي يدلهما بإشارة أكثر وضوحا ، إن كان ما
فهماه من لمع البرق صحيحا . لمع البرق مجددا ، و مجددا أضاء فوق رأس الصغير مباشرة
.
سقطت فايا من هول ما
حدث و بدأت ترتعد جميع أوصالها . أخبرهما الكاهن أن جوبيتير يريد الصغير إيفاء
للنذر . علا نحيب فايا و هي تسأل جوبيتير أن يأخذها هي بدلا من طفلها ، لكن البرق
لمع مجددا و أضاء فوق رأس الصغير مباشرة
لمعت في رأسها فكرة
أخذ طفلها و الهرب بعيدا و زوجها ، لكنها خشيت لعنة جوبيتير و موت الصغير ، فما
كان منها إلا البكاء أكثر
حاولت النهوض من على
الأرض لكنها لم تستطع رفع نفسها ، يداها على الأرض و دموعها تتساقط عليهما ، و يسيل
الدمع حارا نازلا بين الأصابع إلى الرمال حولهما و تحتهما . تقدمت النسوة إلى فايا
ليواسينها و انخرطن معها في البكاء .
امتلأ موضع يدها على الرمل بالدمع و فاض منها
نتيجة الدموع الكثيرة التي كانت تنهمر . و تشكلت بحيرة صغيرة ، ماؤها الدموع و في
قاعها عشرات الأيادي مطبوعة ، أيادي النسوة اللائي كن يضعنها على الرمل وهن يتهيأن
للجلوس بجانب فايا
تحرك ماء البحر على
الشاطئ و خرجت منه أميرة الحوريات أمُّونا أرملة الإله نبتون إله البحار ، و شقيق
الإله جوبيتير على شكل سمكة كاملة بها جميع ألوان الكون التي وُجِدت ، و قفزت
داخل بحيرة الدموع أمام فايا ، و تحولت
إلى شكلها البشري بجمالها الذي يَسُرُّ الألباب و مسحت وجنتي فايا و عينيها من
الدموع وهي تبتسم لها ، ومن ثم عادت إلى شكل السمكة و قفزت في مرجل النار ،
فانطفأت نيرانه بعد أن أحرقها
ساد حزنٌ المكان على
موت أميرة الحوريات أمُّونا ، ومن ثم علت زغاريد النسوة تبجيلا لتضحيتها رأفة بخوف
أم على ولدها .
و من يومها أصبحت
السمكة ، و العين ، العيون التي ذرفت الدمع ، و اليد التي تجمع بها الدمع ، الرمز
لحماية الأحباب ، و بالأخص الأطفال منهم
تعليقات
إرسال تعليق